قال تعالى: {لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۖ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡبَاۤىِٕسَ ٱلۡفَقِیرَ} [سورة الحج 28].
سنجيبُ في هذا المقال عن أشهرِ التساؤلات المتعلّقة بالأضحية، ومنها: ما هي الشروط الواجب توافرها في المضحي؟ وهل يجوز التضحية عن الميت؟ وما عدد الأضاحي الواجبة على أهل البيت الواحد؟
الأضحية شعيرة إسلامية
تُعدُّ الأضحية وإراقة دمِ الأضاحي في سبيل الله من أعظم الأعمال التي يتقرّب بها المُسلم إلى اللهِ تعالى، وهي من أبرز شعائرِ الإسلام إذ قرنها الله بالصلاة في قوله: {إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَر فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} [الكوثر: 1-2]، كما أنها سنّة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حينما جسّد مفهوم الامتثال لأمر الله تعالى بأعظمِ صوره.
لايجزئ تقديم الصدقاتِ أو العبادات مقام الأضحية؛ لأنها شعيرةٌ من شعائر الله كالصلاة والصوم، فلا يصحُّ أن يتصدَّق المُسلم عوضاً عن الصلاة وكذلك الأضحية، قال تعالى: {ذَ ٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} [سورة الحج 32].
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ما عمِلَ آدميٌّ من عمَلٍ يومَ النَّحرِ أحبَّ إلى اللَّهِ من إِهراقِ الدَّمِ إنَّها لتَأتي يومَ القيامةِ بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها وإنَّ الدَّمَ ليقعُ منَ اللَّهِ بمَكانٍ قبلَ أن يقعَ منَ الأرضِ فَطيبوا بِها نفسًا). [جامع الترمذي – 1493].
شروط المضحي في عيد الأضحى
هناك مجموعةٌ من الشروط الواجب تحقيقها في المُضحّي لتُقبل عند الله، وفيما يلي أهمَّ شروط المُضحّي:
- الإسلام: إذ لا تجبُ الأضحية إلّا على المُسلم.
- أن يكون المضحي بالغاً عاقلاً مُقيماً.
- أن يكون قادراً على دفعِ ثمن الأضحية، ولا حرج على من لم يستطع أدائها لغياب القدرة الماليّة.
- عقدُ النيّة والاستعداد: يجب على المضحي أن يجعل الغاية من أضحيته التقرب والطاعة لله وحده، كما يسنُّ له أن يمتنع عن أخذِ شيءٍ من شعره وأظفاره إذا دخل شهر ذي الحجة، فعن أُمَّ سَلَمَةَ، أن رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال: (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ) [صحيح مسلم – 1977].
- يُسنُّ للمضحي أن يأكل من أضحيته، لقول النَّبيِّ ﷺ: (إذا ضحَّى أحَدُكم فلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِه) [الجامع الصغير – 732].
- الأفضلُ أن يذبح أضحيته بنفسه ولا حرجَ في أن ينوب عنه أحدٌ من المسلمين.
عدد الأضاحي للعائلة الواحدة
أجمع جمهور الفقهاء على أنَّ الأضحية الواحدة التي يُقدّمها ربُّ المنزل تجزء عن أهل بيته كلّه، ولا يلزم أن يضحّي عن كلِّ فردٍ من أفراد الأسرة لوحده،إن كانوا يعيشون في بيتٍ واحد ويتشاركون طعامهم وشرابهم.
أمّا إذا كان الولد يعيشُ مستقلّاً في بيته، وقادرٌ على التضحية، فالسنة أن يضحي عن نفسه.
كما يجوز الاشتراك في ثمن الأضحية الواحدة بين أكثر من شخص إن كانت من الإبل أو البقر، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ). [سنن أبي داود – 2809].
الأضحية عن الميت
الأصلُ في الأضحية أنها واجبةٌ على الأحياء، ولم يرد عن رسول الله ﷺ أو عن صحابته الكرام التضحية عن الأموات، لذلك اختلفت آراء بعض أهل العلم حول مشروعية الأضحية عن الميت من عدمها.
أسباب القيام بالأضحية عن الميت
تأتي الأضحية عن الميت وفقاً لثلاثة حالات:
- تنفيذ الوصيّة: في حال تركَ الميّت مالاً وأوصى أن يضحى له من ماله في عيد الأضحى مرة أو أكثر عندها صار ذلك واجباً بإجماع جمهور الفقهاء، إذ قال تعالى في الوصية: {فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَاۤ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ} [سورة البقرة 181]
- أن يُشرك الحيُّ الميت معه في الذبيحة: قد يرغبُ أحد المُسلمين في عقد النية في الأضحية وثوابها عنه وعن أمه أو أبيه المتوفيان، ولا مشكلة في ذلك إذ ورد عن رسول الله ﷺ أنّه ذبح عن نفسه وعن أهل بيته، إذ كان منهم الأحياء والأموات.
وَعَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِيَ به لِيُضَحِّيَ به، فَقالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثُمَّ قالَ: اشْحَذِيهَا بحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ). [صحيح مسلم – 1967].
- الأضحية عن الميت وحده، وهذه التي اختلف فيها جمهور الفقهاء.
الآراء عن حكم الأضحية عن الميت
ذهب بعض أهل العلم إلى إباحة التضحية عن الميت باعتبارها كغيرها من الصدقات، بينما قال الشافعية بعدم جوازها بغير وصيةٍ أو وقف.
لذلك يُنصح أن يُشرك المضحّي الحيّ مع الميّت اقتداءً بما فعله رسول الله ﷺ، أو التبرّع عن ميّته بثمن الأضحية لما في ذلك من منفعةٍ عظيمة للفقراء والمحتاجين.
الأضحية بالوكالة
الأضحية بالوكالة هي أن يوكل المُسلم أحداً غيره من المسلمين، بأن ينوب عنه في ذبح الأضحية وتوزيع لحومها، سواءً كانت في بلده أو غيره، فهل يجوز ذلك؟
توكيل الجمعيات الخيرية ومسؤوليتها عن الأضحية
أباح جمهور أهل العلم توكيل الجمعيات الخيرية في ذبح الأضحية وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، لما في ذلك من خيرٍ وفضلٍ كبير وإدخال الفرح إلى قلوب المستضعفين في أيام العيد المُبارك، لا سيما في البلاد الفقيرة والمنكوبة التي تضم مئات الآلاف من اللاجئين والمشردين.
و من الجدير بالذكر أنَّ الرابطة الطبية للمغتربين السوريين “SEMA” الناشطة في تقديم جميع أنواع الخدمات الإغاثية للاجئين السوريين تعمل سنوياً على استقبال أموال الأضاحي وتنظيمها وفقاً للأصول الشرعية من حيث طريقة الذبح وتوقيته المناسب.
الأفضل ذبح الأضحية بشكل شخصي أو بالوكالة
يُستحبُّ للمسلم أن يحضر ذبح أضحيته بل أن يذبحها بنفسه إن استطاع، وذلك اقتداءً بسنّة رسول الله ﷺ، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: (ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) [صحيح البخاري – 5565].
ومع ذلك، لا مشكلة في التبرع بالأضحية للفقراء والمحتاجين خارج البلاد إذا أحبَّ الشخص أن يفعل.
التبرع بالأضحية للاجئين والمهجرين
يعيش ملايين اللاجئين والمهجرين من إخواننا في مخيمات اللجوء حياةً مريرة، يفتقدون فيها أدنى مقومات الحياة من غذاءٍ ودواء وكساء، ومنهم من لم يذق طعم اللحم منذ أشهر!
لذلك تدعوكم منظمة سيما “SEMA“ للتبرع بالأضاحي لصالح هؤلاء المستضعفين، ومساعدتنا في إدخال الفرحة إلى قلوبهم في أيام العيد الفضيلة.
تقوم فِرقنا بالإشراف المباشر على مشاريع توزيع الأضاحي، ومراعاة الأصول الصحيحة في ذبح الأضحية وفقاً للشريعة الإسلامية، ومن ثمّ إيصالها للمحتاجين الحقيقيين من اللاجئين والنازحين.
ساهم معنا الآن! وتأكد من وصول أضحيتك إلى مكانها الصحيح..
الأسئلة الشائعة
هل يجوز تقديم الأضحية عن الميت؟
نعم، يجوز تقديم الأضحية عن الميت وفقاً لبعض أهل العلم باعتبارها كغيرها من الصدقات، بينما قال الشافعية بعدم جوازها بغير وصيةٍ أو وقف؛ لذلك يُنصح أن يُشرك المضحي الحيّ مع الميّت في النية اقتداءً بما فعله رسول الله ﷺ، أو التبرّع عن ميّته بثمن الأضحية.
هل تكفي أضحية واحدة عن العائلة كلها؟
نعم، تكفي أضحية واحدة عن العائلة كلها طالما أنهم يعيشون في بيتٍ واحد ويتشاركون طعامهم وشرابهم.
ماذا يقال عند ذبح الأضحية عن الميت؟
من هدي النبي ﷺ: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني (وإن كان يذبح أضحية غيره قال: هذا عن فلان ) اللهم تقبل من فلان وآل فلان (ويسمي نفسه أو من يذبح عنه).
ما هي شروط الأضحية من الغنم؟
يُشترط في الأضحية من الغنم أن تتم الـ 6 أشهر، شرط أن تكون سليمة وخالية من العيوب المانعة للإجزاء.
هل يجوز عدم توزيع لحم الأضحية؟
الأفضل توزيع شيءٍ من لحم الأضحية على الفقراء والمساكين؛ لقوله تعالى: {لِّیَشۡهَدُوا۟ مَنَـٰفِعَ لَهُمۡ وَیَذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِیمَةِ ٱلۡأَنۡعَـٰمِۖ فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡبَاۤىِٕسَ ٱلۡفَقِیرَ} [سورة الحج 28].
ما حكم ذبح الأضحية قبل وقتها؟
تعتبر كغيرها من الصدقات العادية، إذ قَالَ رسول الله ﷺ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ). [صحيح البخاري – 5546].
أيهما أولى الصدقة بثمن الأضحية أم ذبح الأضحية؟
الأولى هو ذبح الأضحية، فهي شعيرةٌ من شعائر الله كالصلاة والصوم، ولا يقوم غير الأضحية من الصدقاتِ أو العبادات مقامها.
هل بالإمكان توكيل جمعية أو منظمة خيرية لذبح الأضحية؟
نعم، يجوز توكيل جمعية أو منظمة خيرية لذبح الأضحية بغية إيصالها للمساكين والفقراء الأسوء حالاً، ويمكن التبرع بالأضحية للاجئين السوريين في المخيمات عبر الرابطة الطبية للمغتربين السوريين “سيما”.