أهمية الوقف في الإسلام وبناء المشافي والنقاط الطبية للاجئين

يقوم النظام الاِجتماعي في الإسلام على أسسٍ وقواعد إلهية محدّدة، تضمن حقوق جميع المُسلمين وتعزّز روح التعاون والتآخي بين الكبار والصغار والفقراء والأغنياء.

لذلك تدفعنا الشريعة نحو الكثير من صور التكافل الاِجتماعي الماديّة والمعنوية مثل الزكاة والصدقات وصلة الأرحام وبرِّ الوالدين ونحو ذلك.

سنتعرّف في هذا المقال على واحد من أقوى الأركان الماليّة في الإسلام، ألا وهو الوقف، فما هو تعريفه؟ وما أنواعه وشروطه؟ وما فوائده على المجتمع الإسلامي؟ هذا ما سنعرضه في السطور القادمة.

ما هو الوقف؟

• تعريف الوقف لغةً: يعود أصلُ كلمة الوقف إلى الجذر “وَقَف”، بمعنى الحبس والمنع.
• تعريف الوقف اِصطلاحاً: أمّا عن  معنى الوقف شرعاً، فهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة؛ بمعنى  حبسُ مالٍ يُمكن الاِنتفاع به ومنع الأصل من الزوال؛ حتى يتسنى للمسلمين الاستفادة منه مراتٍ عديدة، كتأجير البيوت والأراضي والمحلات التجارية وما إلى ذلك.

أهمية الوقف

يُعتبر نظام الوقف من أقوى آليات التكافل الاِجتماعي في الإسلام، وله أهميّة كبيرة ذات أبعادٍ دينية واِقتصادية واجتماعية وثقافية، فهي تجسيدٌ حيّ لصفات السماحة والتعاون والعطاء، لا سيما أنه شمل كافة مجالات الحياة، وعلى الرغم من فوائده العظيمة، فقد كاد مفهوم الوقف يندثر من ثقافة المسلمين!

فوائد الوقف

ساهم نظام الوقف في تقدّم المجتمع الإسلامي عبر العصور، ويُمكن تلخيص أبرز فوائده فيما يلي:

• سبيلٌ للتقرب من الله تعالى ونيل مرضاته، وأحد أشكال الصدقات الجارية دائمة الأجر والثواب.
• إقامة المساجد والمدارس والمكتبات والمؤسسات الخيرية وتمويلها المستمر.
• كفالة الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين في مختلف اِحتياجاتهم.
• رفع مستوى خدمات الرعاية الصحية في المجتمع من خلال بناء المستشفيات والمستوصفات والنقاط الطبية، التي يستفيد منها آلاف المسلمين سنوياً وخصوصاً في مخيمات اللاجئين.
• تحقيق التكافل والترابط بين أبناء المجتمع وحثّ الجميع على التعاون.
• للوقف أيضاً دورٌ كبير في دعم اِقتصاد الدولة وتحسين المرافق العامة فيها.

شروط الوقف

للوقف أركان وشروط محدّدة، لا يصحُّ إلا في توافرها وهي:

1. الواقف: وهو المالك لما وقف، ويشترط فيه البلوغ والعقل والرشد، وأن يكون حرَّ التصرف بما يملك وغير مدين.
2. المال الموقوف: أن يكون مملوكاً للواقف ملكاً تامّا حين وقفه، وأن يكون مما ينتفع به انتفاعاً مستمراً مع  بقاء عينه؛ فلا وقف في ما لا يبقى بعد الانتفاع به؛ كالطعام.
3. الموقوف عليه: وهو الجهة المنتفعة من مال الوقف، ويشترط أن يكون أهلاً للتملّك، وجهة خيرٍ وبرّ.
4. الصيغة: وهي اللفظ الدال على إرادة الوقف، وهي ما يصدر عن الواقف من قولٍ أو فعل أو كتابة تشير إلى إرادته في وقف ماله.

الوقف في القرآن الكريم

أجمع جمهور الفقهاء على صحة الوقف وضرورته للاِرتقاء بالمجتمع، وقد استدلوا في قولهم هذا على آيات كتاب الله وسنّة رسوله، ومن بين الآيات التي تُشير إلى الوقف:

• {مَّن ذَا ٱلَّذِی یُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا فَیُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥۤ أَضۡعَافࣰا كَثِیرَةࣰۚ وَٱللَّهُ یَقۡبِضُ وَیَبۡصُۜطُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ} [سورة البقرة 245].
• {وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ} [سورة البقرة 110].
• {یَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلۡ مَاۤ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَیۡرࣲ فَلِلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمࣱ} [سورة البقرة 215].
• {وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} [سورة الأنفال 60].

الوقف في السنة النبوية الشريفة

كما وردت أحاديث كثيرة تُعَزِّز مِّن شأن الوقف وتدعو إليه. منها:

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).‏ [صحيح مسلم – 1631].
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ: (إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)‏‏.‏ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ‏.‏ [صحيح البخاري – 2772].
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ‏(إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ). [سنن ابن ماجة – 242]

أنواع الوقف في الإسلام

كما ذكرنا سابقاً، فإنَّ للوقف أوجهٌ ومجالات عديدة لنفع المسملين وتطوير المجتمع، ومن أبرز أنواع الوقف:

• وقف العقارات:

يشملُ ذلك وقف الأراضي الزراعية أو المساهمة في بناء المساجد ودور العبادة، بما فيها من أمور أساسيّة مثل تمديدات المياه والكهرباء والتدفئة والتكييف، فكلِّ تلك الأشياء تدوم ولا ينقطع أجرها.

• الوقف التعليمي:

دائماً ما يولي الإسلام أهميّةً كبيرة للعلم والتعليم، ويتضمّن الوقف التعليمي على بناء المدارس والمكتبات وتزويدها بالأدوات اللازمة من كتبٍ وأجهزة تقنيّة وما إلى ذلك، كما يشمل أيضاً كفالة طلّاب العلم وذلك من أعظم أعمال الوقف.

• الوقف الخيري:

تقوم صناديق الوقف الخيري بحلِّ الكثير من مشاكل المسلمين، مثل:

• أوقاف لرعاية الأيتام واللّقطاء.
• أوقاف لرعاية العجائز والشيوخ وذوي الاِحتياجات الخاصة.
• أوقاف لقضاء الديون عن المعسرين، وتقديم القرض الحسن.
• أوقاف لفتح الأنهار وحفر الآبار والسواقي.

• وقف الأعراس:

كما يُساهم نظام الوقف في نشر العفاف الاِجتماعي من خلال دعم الشباب المُقبلين على الزواج في تأمين مستلزمات بيوتهم وسدِّ نفقات أفراحهم.

• الوقف في المجال الصحي:

ومن أهمِّ مصارف الوقف أيضاً، هو تحسين قطاع الرعاية الصحية والطبية لأبناء المجتمع من خلال المساهمة في بناء المشافي وشراء المعدات الطبية وتأمين الدواء للمرضى الفقراء.

أهمية التبرع من أجل وقف المشافي والنقاط الطبية لمساعدة اللاجئين

في الختام، لا شكَّ في أنَّ الوقف يُعتبر من أفضل أشكال الصدقة إذا لم يكن أفضلها، لذلك ندعوكم للمساهمة في المشاريع الوقفية لتحسين القطاع الصحي في مخيمات اللاجئين، حيث يعيش ملايين النساء والأطفال في ظلِّ نقص الموارد واِنعدام سبل الأمان.

يُمكنك تخفيف معاناة المستضعفين وإنهاء أوجاعهم من خلال التبرع لمشاريع الرابطة الطبية للمغتربين السوريين SEMA (سيما)، حيث نعمل على بناء المشافي والنقاط الطبية في المخيمات، إلى جانب إنشاء العيادات المتنقلة ذات الفاعلية العالية.

لا تتردّد في مدِّ يد العون، وتأكد أنَّ مساهمتك سوف تصنع فرقاً مهما كانت قيمتها.

الأسئلة الشائعة